المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطينى تجتاح أكثر من 40 جامعة أمريكية
اجتاحت المظاهرات المنددة باستمرار المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، والمطالبة بوقف فورى للعدوان، نحو ٤٤ جامعة أمريكية، رغم حملات الاعتقال التى تنفذها السلطات الأمريكية بحق الطلبة والأساتذة والمتظاهرين المساندين لهم، وتهديد إدارات الجامعات بتنفيذ المزيد من الاعتقالات، حال استمرت المظاهرات والاحتجاجات.
وامتد الحراك الطلابى الأمريكى المؤيد للشعب الفلسطينى وقضيته من لوس أنجلوس إلى نيويورك، مرورًا بكل من أوستن وبوسطن وشيكاغو وأتلانتا، حيث جرى تنظيم مظاهرات واحتجاجات فى عدد من الجامعات المرموقة عالميًا، مثل «هارفرد» و«ييل» و«كولومبيا» و«برينستن».
وتمكن الطلاب المشاركون فى هذه المظاهرات من نصب المزيد من الخيام فى الكثير من الجامعات، لإيصال رسالتهم إلى المجتمعات المحلية وصناع القرار فى واشنطن، وحثهم على ضرورة التدخل الفورى لوقف الحرب، ودعم الحقوق الفلسطينية.
ويسعى الطلاب إلى الضغط على الإدارة الأمريكية لسحب الاستثمارات من إسرائيل، والشركات الداعمة لها، إلى جانب مقاطعة الجامعات الإسرائيلية المتواطئة فى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى.
وطالب طلاب جامعة «كولومبيا» بسحب استثماراتها المباشرة فى الشركات التى لها تعاملات تجارية فى إسرائيل أو معها، بما فى ذلك «أمازون» و«جوجل»، والتى تبلغ ١.٢ مليار دولار.
فيما طالب «ائتلاف العدالة» فى جامعة «ييل»، الذى يقود حملة سابقة لسحب الاستثمارات من الشركات المصنعة للأسلحة، بسحب الاستثمارات من هذه الشركات، إلى جانب الاستثمارات فى الوقود الأحفورى.
وتدخلت قوات الشرطة الأمريكية، ودخلت إلى حرم الجامعات، وأوقفت ما يقارب ٥٠٠ طالب.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرها رواد مواقع التواصل الاجتماعى، وعدد من وسائل الإعلام، وحشية وعنف الشرطة الأمريكية خلال اعتقال المتظاهرين. وكشف فيديو لحظة اعتداء أحد ضباط الشرطة الأمريكية على أستاذة اقتصاد فى جامعة «إيمورى» بجورجيا.
وشهدت وزارة الخارجية الأمريكية استقالة جديدة، على خلفية العدوان الإسرائيلى على غزة، تقدمت بها هالة غريط، المتحدثة الناطقة بالعربية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، اعتراضًا على سياسة واشنطن تجاه الحرب فى غزة.
وتعتبر هذه ثالث استقالة على الأقل من وزارة الخارجية الأمريكية، بسبب حرب غزة، عقب شهر من استقالة أنيل شيلين من مكتب حقوق الإنسان بالوزارة، وجوش بول، المسئول فى الوزارة، خلال أكتوبر الماضى.
عضو بـ«الحزب الديمقراطى»: قد تؤدى لخسارة بايدن الانتخابات وفقدان مقاعد فى «الكونجرس»
قال مهدى عفيفى، عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، إن الشرارة الأولى للمظاهرات والانتفاضة التى تشهدها الجامعات الأمريكية حاليًا، احتجاجًا على العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة، بدأت فى جامعة «كولومبيا»، بعد أن نصب طلابها الخيام داخل المنطقة المخصصة للمظاهرات، التى توجد فى الجامعات الأمريكية الكبيرة منذ حرب فيتنام.
وأضاف «عفيفى»، لـ«الدستور»: «بدأ الطلاب فى التخييم والتظاهر داخل الجامعة، وخرجت رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، وهى من أصول مصرية، وللأسف حاولت أن تحابى اليهود على حساب طلبة الجامعة، وكانت إدارتها الأزمة ضعيفة جدًا، كما أنها أثناء لقائها أعضاء الكونجرس الأمريكى كانت مترددة، وحاولت دعم اليهود من خلال قصص غير حقيقية حول معاداة السامية، ما تسبب فى زيادة الاحتقان داخل الجامعة».
وواصل: «طلاب مسيحيون ويهود معادون لما يحدث فى فلسطين وقطاع غزة، من قتل وسفك للدماء، انضموا إلى المظاهرات، ثم انضم إليهم بعد ذلك العديد من الأساتذة والمحاضرين، ما زاد من الاحتقان».
وأكمل: «فى مواجهة ذلك، اتصلت رئيسة الجامعة بالشرطة وطالبتها بالتدخل، ومن المعتاد أن تكون الجامعات الأمريكية محمية، ولا تتدخل الشرطة إلا فى حال طلبت إدارة الجامعة منها ذلك، وفى الحالات القصوى، لذا عندما تدخلت الشرطة فى محاولة فض هذا الاعتصام، اعترضت المجموعات الموجودة داخل الحرم الجامعى، سواء من الطلبة أو المحاضرين، وتم القبض على قرابة الـ١٠٠ طالب ومحاضر منهم».
وأكد عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى أن ما حدث أشعل فتيل المظاهرات والاعتصامات فى جامعات كثيرة داخل الولايات المتحدة، تعدت أعدادها حاليًا ٤٠ جامعة تتوزع فى أنحاء الولايات المتحدة، فى الساحل الشرقى والغربى، وفى الجنوب فى تكساس، وغيرها من الولايات، ومنها ٢٠ من أقوى الجامعات فى العالم.
وأشار إلى أن «ما حدث فى جامعة كولومبيا أدى لتضامن الطلبة فى جامعات أخرى، ووضع إدارة هذه الجامعة فى موقف حرج جدًا، لأنه لم يحدث فى التاريخ الأمريكى المعاصر أن دخلت الشرطة الحرم الجامعى».
ونبه «عفيفى» إلى أن الاعتقالات التى جرت ليست جنائية، لذا عادة ما يتم الإفراج عن الطالب والمحاضر فى نفس اليوم، خاصة أن هناك جمعيات حقوقية ومحامين من أصول يهودية اعترضوا على طريقة تعامل الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين، وأصبحت هناك قضايا ودعاوى ضد الشرطة الأمريكية تنتقد سوء التعامل مع الطلبة والمحاضرين، وهى قضايا عادة ما تنتهى بدفع تعويضات كبيرة جدًا، لأن هناك أصولًا متعارفًا عليها فى التعامل مع المتظاهرين.
وأضاف: «عنف الشرطة فى الولايات المتحدة غالبًا ما يؤدى لردود أفعال قوية من المواطنين، ويتسبب أحيانًا فى اشتعال ثورات عارمة وخروج مظاهرات كبيرة، ورفع قضايا تنتهى عادة بخسارة الشرطة، وصدور قرارات حازمة ضدها، لذا فإن الاعتداء على الطلاب والأساتذة سينتهى بمعاقبة من تعامل بشكل غير مقبول عبر الطرد من الشرطة، أو معاقبة الولاية نفسها بغرامات مالية عالية».
وعن الأثر السياسى لتلك التظاهرات، رأى عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى أن تلك المسألة تم «تسييسها» بشكل كبير من قبل أعضاء فى الحزب الجمهورى، على رأسهم رئيس مجلس النواب، الذى زار بنفسه جامعة كولومبيا، وقال إنه يناصر اليهود، وإن ما يحدث هو معاداة للسامية، وهو ما تحاول المجموعات اليهودية الترويج له حاليًا، مع توجيه اللوم إلى الرئيس الأمريكى، جو بايدن.
وأضاف: «استمرار التظاهرات تسبب فى حدوث قلق كبير للسياسيين، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام موجة جديدة من التظاهرات، تذكر بما حدث أثناء فترة حرب فيتنام، مع وجود تخوف من أن تؤدى زيادة الضغوط إلى فشل بايدن فى الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، مع خسارة بعض أعضاء الكونجرس مقاعدهم، بسبب دعمهم المطلق لإسرائيل».
باحثة فلسطينية: الأساتذة شاركوا لأول مرة المحتجون يطالبون بسحب الاستثمارات من إسرائيل والشركات الداعمة لها
قالت الدكتورة تمارا حداد، الكاتبة والباحثة السياسية الفلسطينية، إن المظاهرات فى الجامعات الأمريكية شهدت تطورا لافتًا، من خلال الدفاع بقوة عن حقوق الشعب الفلسطينى، مع التغير الجذرى فى تبنى الرواية الفلسطينية العادلة، وعدم تصديق الرواية الإسرائيلية، والإيمان بأن غزة من حقها الدفاع عن نفسها أمام استمرار الجرائم بحق النساء والأطفال فى القطاع.
وأضافت الباحثة الفلسطينية: «التحرك الطلابى أمام قضايا بحاجة لحل جذرى، سياسيًا وقانونيًا ودبلوماسيًا، مثل قضية فلسطين شىء جيد، إضافة إلى المطالبة بترسيخ الحقوق الديمقراطية الفعلية، بالتحديد فيما يتعلق حرية التعبير والرأى التى انتهكت، أمام استمرار عنف الشرطة، وحملة الاعتقالات بصفوف الطلاب والأساتذة».
وواصلت: «لأول مرة يشارك الأساتذة والطلاب معًا فى التظاهر بشكل مستمر، مع بناء مخيمات أمام الجامعات للاعتصام فيها، من أجل الدفع نحو وقف إطلاق النار على قطاع غزة، وتعزيز حقوق عادلة للشعب الفلسطينى».
وأكملت: «اللافت فى تحرك الطلاب، أنهم أولاد النخب السياسية، سواء المقربون من الكونجرس أو اللوبى الصهيونى والمؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية فى أمريكا، واللافت أنهم من البيض، وليسوا من أصحاب البشرة السوداء».
وتابعت: «هذا يعكس أن ما يحدث فى قطاع غزة وصل لشريحة كان اهتمامها فقط الدفاع عن إسرائيل، والآن تغيرت الوجهة نحو الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهذه إشارة إلى أن عملية السابع من أكتوبر غيرت الرأى العام الخارجى، نحو الاهتمام بوضع حل جذرى لقضايا الشعب الفلسطينى».
وقالت الباحثة إن التحرك الطلابى سيؤثر على المعركة الانتخابية الأمريكية، لذلك الرئيس جو بايدن أشار فى خطابه إلى أنه قلق مما يحدث داخل الجامعات الأمريكية، لأن الحراك سيؤثر سلبًا عليه وعلى الأصوات الانتخابية.
وأضافت: «هناك شريحة عريضة ستؤثر على الواقع الانتخابى، وإن كان تأثيرها متوسطًا على القضية الفلسطينية، لكن ذلك يمثل حراكًا لافتًا ومهمًا وإيجابيًا نحو الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، من خلال التأثير المستقبلى على صناع القرار الأمريكى، لتعزيز توجهات وسياسات جديدة، تختلف عن سياسات الدولة العميقة فى أمريكا، والتى يحركها اللوبى الصهيونى».
واختتمت بقولها: «استقالة متحدثة الخارجية الأمريكية باللغة العربية، رسالة برفضها فشل بايدن فى إدارته الحرب على القطاع، واستمرار التمويل المالى والعسكرى للاحتلال، والذى ينعكس على المدنيين وعلى إطالة أمد الحرب ودون وضع خطط اليوم التالى بعد انتهائها، وهذا يتوافق مع فكرة اليمين الإسرائيلى المتطرف، الذى يريد تحقيق احتلال عسكرى مباشر لقطاع غزة».