هل طوفان سيدنا نوح كان عاما لكل الأرض؟
تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالاً، يقول طارحه: ظهر نَشْءٌ جديد من الطلبة ديدنهم البحث في العلوم الرياضية والخوض في توهين الأدلة القرآنية، وقد سمع من مقالتهم أن طوفان سيدنا نوح عليه السلام لم يكن عامًّا لأنحاء الأرض بل هو خاص بالأرض التي كان بها قوم نوح عليه السلام، وأنه بقي ناس في أرض الصين لم يصبهم الغرق، فكيف نرد عليهم؟
وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، إن القرآن الكريم فلم يرد فيه نصٌّ قاطعٌ على عموم الطوفان، ولا على عموم رسالة نوح عليه السلام، وما ورد من الأحاديث -على فرضِ صحةِ سنده- فهو آحادٌ لا يوجب اليقين، والمطلوب في تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن إذا عُدَّ اعتقادُها من عقائد الدين.
أما المؤرخ ومُريدُ الاطلاع فله أن يحصل من الظن ما تُرَجِّحُهُ عنده ثقتُهُ بالراوي أو المؤرخ أو صاحب الرأي، وما يذكره المؤرخون والمفسرون في هذه المسألة لا يخرج عن حد الثقة بالرواية أو عدم الثقة بها، ولا يتخذ دليلًا قطعيًّا على معتقدٍ دينيّ.
أما مسألة عموم الطوفان في نفسها فهي موضوعُ نزاعٍ بين أهل الأديان وأهل النظر في طبقات الأرض، وموضوعُ خلافٍ بين مؤرخي الأمم:
أما أهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية: فعلى أن الطوفان كان عامًّا لكل الأرض، ووافقهم على ذلك كثيرٌ من أهل النظر، واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال؛ لأن هذه الأشياء مما لا يتكون إلا في البحر، فظهورها في رؤوس الجبال دليلٌ على أن الماء صعد إليها مرةً من المرات، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عَمَّ الأرض.
ويزعم غالب أهل النظر من المتأخرين أن الطوفان لم يكن عامًّا، ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها، غير أنه لا يجوز لشخصٍ مسلمٍ أن ينكر قضية أن الطوفان كان عامًّا لمجرد حكاياتٍ عن أهل الصين أو لمجرد احتمال التأويل في آيات الكتاب العزيز، بل على كل من يعتقد بالدين أن لا ينفي شيئًا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث التي صح سندها وينصرف عنها إلى التأويل إلا بدليلٍ عقليٍّ يقطع بأن الظاهر غير مراد.
وأوضحت دار الإفتاء، أن الوصول إلى ذلك في مثل هذه المسألة يحتاج إلى بحثٍ طويلٍ وعناءٍ شديدٍ وعلمٍ غزيرٍ في طبقات الأرض وما تحتوي عليه، وذلك يتوقف على علوم شتَّى عقلية ونقلية، ومَن هَذَى برأيه بدون علمٍ يقينيٍّ فهو مجازفٌ لا يُسمَعُ له قولٌ ولا يُسمَحُ له ببث جهالاته.