الشاعر محمد حلمي: الثورة التكنولوجية أتاحت لنا التقليب في الكتب
المكتبة من أبرز ما تجده في منازل الكتاب والمثقفين، بل تكاد منازل بعضهم قد تحولت إلى مكتبات يعيشون فيها.
وحول مكتبات الكتاب، وكم فقدوا منها خلال تنقالاتهم وأسفارهم، وهل يعير الكاتب كتبه أو يستعيرها، وغيرها من المحاور، تقدمها “الدستور” في سلسلة حوارات عن مكتبات المثقفين.
وفي رابع هذه الحوارات يحدثنا الشاعر.د محمد حلمي حامد عن مكتبته وأول كتاب اقتناه، وما الكتاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، وأهم الكتب في مكتبته وغير ذلك.
ود. محمد حلمي حامد، شاعر وعضو اتحاد كتاب مصر، عمل حتى العام 2016 أستاذا بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان، وهو حاليا أستاذ التصميم المتفرغ، ورئيس قسم التربية الفنية سابقا بكلية التربية النوعية جامعة بنها. صدر له 9 دواوين شعرية فضلا عن العديد من الكتب العلمية فى مجالي التصميم وتاريخ الفن ومنها موسوعة بناء الشكل المرئي في سبعة أجزاء، وتاريخ الفن في العصور الوسطي، قراءات في الفن الحديث.
ما هو اول كتاب قرأته؟
إذا كان السؤال الأول هو كيف تزوجت لأول مرة فأنت تطرحين عنك تاريخا طويلا من الإعجاب والحب والقصائد المطولة والخطابات المتبادلة والمواعيد المهدرة، وأولى بالسؤال أن يكون: كيف أحببت القراءة ؟، والحق أنني لم أبدا مطلقا بقراءة الكتب ولكنني انبهرت قبل ستين عاما بحائط كامل معلق عليه مجلات مصورة، جذبتني ألوانها وخيالها المنطلق بلا حدود لأتعرف على أبطالها وأعيش معهم في خيالاتهم، ولم أكن بمفردي الذي أدمنت هذه المجلات بل والكثير من أصدقائي واستمرهذا الافتتان حتى بداية المرحلة الإعدادية.
وقد ترافق قرائتنا وشرائنا لهذه المجلات مع بعض القراءات المسلية ذات الطابع الصحفي وكانت مدرسة أخبار اليوم هى الأكثر تأثيرا في جذبنا للقراءة، وكاتبها الأشهر أنيس منصور وقد ذكرت طرفا من هذا في سيرتي الشعرية (الغيم والدخان).
علاقتي بالقراءة تسبق علاقتي بالشراء وبالنقود وذلك بسبب أبي رحمه الله الذي كان لديه الكثير من الكتب كما كان يحضر لي ولإخوتي الكتب التي تناسب طفولتنا، وقرأت كليلة ودمنة والكتب التي التي أستلت من ألف ليله وليله وتحكى قصص علاء الدين والمصباح السحرى ورحلات السندباد.
وسرعان ما كان ألف ليلة وليلة نفسه هو أول كتاب أقراه بالفعل، حيث لجأ أبي إلى حيلة ذكية لجعلى أحب القراءة، فكان يدعي التعب عند عودته من العمل ويطلب مني أن أقرأ له حتى ينام، كان لدينا نسخة قديمة من ألف ليلة وليلة مطبوعة (طباعة حجر) كنت اقرأ عليه منها وما زلت أحتفظ بهذه النسخة النادرة حتى اليوم وقد أعدت قراءتها مرات.
متي اشتريت أول كتاب؟
أول كتاب اشتريته كان عام 1970 لأبى وقتما كان مريضا ومحتجزا بالقصر العينى عندما طلب منى الحصول على نسخة من كتاب (العلم والإيمان) للدكتور مصطفى محمود وكانت أخبار اليوم قد أصدرته.
ما أهم الكتب في مكتبتك؟
أهم الكتب في مكتبتي فصيلان، الأول تنتمي إلى عملي أستاذا للتصميم وهي جميع الكتب التي تتناول أسس التصميم ومبادئه وعلى رأسها النسخة الإنجليزية لكتاب روبرت جيلام سكوت “أسس التصميم” والنسخة التي ترجمها أستاذي المرحوم محمد محمود يوسف والمعماري الشهير عبد الباقي إبراهيم.
أما الفصيل الثاني فيعود إلى كتاباتي للشعر ودراستي للآداب واللغة العربية، فأحب الكتب التي تتناول المختارات الأدبية المنتقاة مثل محاسن الدهر للثعالبى والأغاني للأصفاني والمنتخب من أدب العرب.
ما الكتاب الذي لا يمكنك الاستغناء عنه؟
معجم لسان العرب لابن منظور الذي يعد عندي المرجع الفصل في عربية الكلمة أو أعجميتها وطريقة صرفها، فغالبا لا أستخدم في كتابتى أي كلمة لم ترد في هذا المعجم، ولا تحسبي أننى متشدد في اللغة فهناك بيننا من لا يقبل بلسان العرب لمصرية مؤلفة.
ما الكتاب الذي لديك أكتر من نسخة منه؟
القرآن الكريم لدي منه الكثير من النسخ بعضها بحجم صغير يسهل حمله أو بخط كبير يسهل قراءته أو مزيلا بشروح في الكلمات أو مرفقا بتفاسير، مزخرفا ومذهبا قديما متوارثا عن الآباء أو جديدا مهدى إلي في المناسبات، ولدى أيضا بنفس الحالات نسخا متعددة لبعض الكتب السماوية المقدسة، إضافة إلى كتبى العلمية والأدبية ودواوينى الشعرية فبالطبع أحتفظ بنسخ متعددة منها أهديها للآخرين كلما سمحت الظروف.
هل فكرت أن تستغني عن مكتبتك أو كتبت وصية بشأنها؟
حاولت أكثر من مرة أن أتبرع بالكثير من الكتب ونسخ الرسائل التي أشرفت عليها إلى مكتبات الكليات التي عملت بها ولكن للأسف الشديد هذه المكتبات مكتظة بالكتب ويغلب عليها ضيق المساحات وما زال هذا الموضوع يشغلني حتى أنني فكرت في أن أنظمها وأحولها في مكان ما أوفره لها إلى المنفعة العامة ولكن ضيق الوقت يمنعني من ترتيبها وإعاده تنظيمها كما ترين في الصورالمرفقة.
كم مكتبة فقدت لظروف خارجة عن إرادتك؟
أول مكتبة فقدتها كانت عقب زواجي وتركي منزل الأسرة فاضطررت إلى تركها في منزل العائلة، فقام بجمعها أحد أفراد الأسرة ودفع بها إلى سطح المنزل، فهطل عليها المطر واضطرت إلى بيعها لتجار سور الأزبكية بثمن البخس، كما لجأت مرات إلى التخلص من الكتب التي لا أحتاجها بإهدائها لمن يرغب فيها من أصدقائي وتلاميذي، وقد فقدت مكتبة إلكترونية ضمت أكثر من عشرين ألف كتاب كنت قد نظمتها تنظيما بديعا يسهل الوصول إلى الكتب بسرعة، ولكن خللا بالتيار الكهربي أتلف القرص الصلب وتعذر بعدها تماما الوصول إلى البيانات، والآن لدى مكتبة إليكترونية تهتم بأبحاثى ودراساتى أكثر مما تهتم بالأدب والثقافة.
ما الكتاب الذي تمنيت اقتناءه ولم تعثر عليه؟
لا يوجد كتاب أتمنى قراءته ولا أعثر عليه فقد أتاحت الثورة التكنولوجية لنا أن نقلب في جميع الكتب جديدها وقديمها بل وجميع المجلات والصحف، وبمقدورك اليوم أن تقرأ لكل أساطير الكتاب الذين تسمع عنهم فيصبحون بين يديك وكأنهم كتاب اليوم.
كما أتاحت التجارة الإلكترونية فرصة استقدام كتب من الخارج بسرعة وتكلفة زهيدة نسبيا عما كان من قبل وجود الفضاء السيبراني، وقد أفاد هذا مجالات البحث العلمي والترجمة والأدب.
على أن التضييق الذي حدث خلال العقد المنصرم بسبب حقوق الملكية الفكرية قد قلل كثيرا من تداول الكتب والمطبوعات حتى اختفت بعض المواقع التي كانت توفر هذا بسهولة وكان يستفيد منها القراء وخاصة طلاب الطب والهندسة.
هل تشتري كتبًا ولا تقرأها لظروف ضيق الوقت أو غيرها؟
كثيرا ما اشتريت كتبا ولم اقرأها بسبب ضيق الوقت وربما أيضا لضخامة هذه الكتب مثل كتاب جاك دريدا حول التفكيكية فهو كتاب ضخم جدا يقع في آلاف الصفحات ويحتاج إلى وقت طويل جدا في قراءته مترجما أو في لغته الأصلية، ويكون هذا هو الحال أيضا مع بعض الروايات الطويلة، كما أنفر من الكتابات التى تستهين باللغة ولو فى إطار أدبى مهما كان صاحبها ملء العين والبصر ومهما كانت الدعاية لها.
هل تحدد ميزانية لتزويد مكتبتك موسميا في مناسبات كمعرض الكتاب؟
أذهب إلى معرض الكتاب لهدف واحد هو مساعدة طلابي في الماجستير والدكتوراه على إيجاد مراجع حديثة تنفعهم وأوفر عنهم عناء البحث، وأعتقد أن المستقبل القريب سيجعل الصحافة والثقافة في متناول الجميع بلا مقابل، لقد كنت أنفق الكثير على شراء الجرائد المجلات والكتب، حتى أن بائع الجرائد كان يشفق علي فيعيرني بعضها اقرأه مجانا ثم أعيدها إليه بحالتها، أما اليوم وبفضل التطور الإلكتروني للنشر فقد أصبح متابعة هذه المطبوعات يسيرة وغير مكلفة. كما توفر بعض المؤسسات الثقافية ذات الطابع الخيرى مثل مؤسسة (هنداوى) نسخا إليكترونية لكثير من الكتب الهامة.
هل تعير كتبك لأحد وهل تستعيدها.. والعكس؟
لا أستعير حاليا أي كتب من أحد وربما يرجع هذا إلى أصدقائي سامحهم الله الذين كانوا في صبانا يعيروننى الكتب باليوم وبالليلة، فيبات المرء صاحيا حتى ينتهى من قراءة الكتاب وإرجاعه فى موعده، كما كنا نتبادل الكتب ثم نرجع عن عمليات التبادل هذه، وأذكر أنني بادلت أحد أصدقائي كتاب أرنولد هاوزر (الفنون التشكيلية وكيف تتذوقها) بالأعمال الكاملة لنزار قباني والتي صدرت في مطلع السبعينيات ثم عاد كل منا في كلامه وطلب أن يستعيد كتابه كأنه يستعيد أبنا ضالا.
أخيرًا.. هل تلخص علاقتك بالكتاب؟
ليس هناك أكثر بلاغة من “شوقى” حين قال: أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا.. لَم أَجِد لي وافِيًا إِلّا الكِتابا.