من أجل حياة أرقى ... كورونا بين التبرع الإلزامي والاختيار الوجداني
سيناريوهات ثلاثة تابعناها خلال الأيام القليلة الماضية حول موضوع التبرع لمواجهة أزمة كورونا، ومع ان تبرعات الأفراد والمؤسسات انهالت على حكومات دول كثيرة على مستوى العالم ، لكن دون إثارة ضجة حولها لأن التبرع نابع من الاحساس بالمسئولية المجتمعية والوطنية وحتى الدينية من الشخص تجاه دولته، فلم نسمع تلك البروباجندا أو الشو الإعلامي في موضوع التبرع أو استخدام القانون لإجبار الناس على التبرع كما هو متوقع حدوثه عندنا.
أعود للسيناريوهات الثلاثة فالسيناريو الاول تلك الحملة التي أطلقها عدد من المؤسسات والجمعيات لمساعدة الدولة في مواجهة كورونا ، ومنها جمعية (رسالة) التي أطلقت حملتها تحت شعار ( تحدي الخير) لاحتواء آثار كورونا على الطبقات الاكثر احتياجا من عمال اليومية والحرف اليدوية التي تأثرت نتيجة انقطاع عملها. وللأسف دائما الطعن والتشكيك يطلان بخبث على الاشياء النبيلة والذي وصل إلى التقدم بشكوى لوزارة التضامن الاجتماعي ضد الجمعية تشكوها أنها لا تصرف التبرعات فيما جمعت من أجله فقامت الوزارة بتشكيل لجنة بحثت الامر وتوصلت إلى ان الجمعية احسنت التصرف في الاموال المتبرع بها بل وتجاوز التوزيع تلك المبالغ التي تعتبر هزيلة فقد بلغت التبرعات 3,5 مليون جنيه ، منها مليون وستمائة ألف جنيه تبرع بها مجموعة من الفنانين ولاعبي كرة القدم مجتمعين، واكرر مبالغ هزيلة لأن حجم التبرعات لا تتناسب مع قدرات المتبرعين وامكانياتهم المادية الكبيرة. ومن العجائب تبرع المافيا الايطالية بسبعة مليارات دولار لمساعدة الدولة في مواجهة كورونا.
فإذا ما انتقلنا للسيناريو الثاني وهو تبرع رجال الاعمال والذي كانت مفاجآته أكبر كثيرا من مفاجأة التبرعات لجمعية (رسالة)، حيث أثار رجال الاعمال حالة من الجدل بسبب تصريحاتهم ضد الإجراءات الاحترازية للدولة في مواجهة فيروس كورونا، والتي رأوا أنها تقف ضد مصالحهم الخاصة بسبب تقليص عدد العمال وفرض حظر التجوال، وهو ما يؤثر على استثماراتهم، ليطالبوا بعودة العمل حتى لو كان على حساب تهديد البعض بالإصابة بالفيروس. بدءا من تصريح رجل الاعمال نجيب ساويرس ومطالبته بالعودة للعمل بأسرع وقت وإلا التهديد بالانتحار، إلى رد رجل الاعمال رؤوف غبور ( أي حد يقولي تبرع هقوله آسف مقدرش واللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع)، مرجعا ذلك ان الشركات مطالبة ان تتحمل دفع مئات الملايين شهريا دون إيرادات. وليأتي المهندس حسين صبور ليتضامن مع رؤوف غبور ويؤكد صحة كلامه بقوله أنا لو عندي فلوس هحوشها لمرتبات موظفيني الاشهر القادمة لأني مش عارف هيجيلي دخل ولا مش هيجيلي.
مضيفا : لو أنا عندى فائض في البنك كذا مليون جنيه هتبرع منه، لكن لو أنا النهاردة عندى فلوسى على أد موظفينى طبعاً ما أتبرعش.
وفي رده على مخاطر عودة العمال للعمل والتي من شأنها أن تزيد عدد المصابين بالفيروس قال صبور: "ما تزيد، لما يزيد عدد الإصابات ويبقى عندنا شعب قائم وناقص شوية، أحسن من شعب مفلس تماماً، وما نلاقيش ناكل".
والظاهر ان هذا الكلام أقنع السيد المستشار بهاء أبو شقة رئيس حزب الوفد، ورئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب وفكر في حل يبعد به عن رجال الاعمال وتوصل أن الحل في التبرع عند الموظفين الغلابة فقدح زناد فكره هو ولجنته الدستورية ليخترع السيناريو الثالث وهو التبرع الالزامي عبر قانون جاري إعداده الآن . ولست أدري كيف نجمع بين التبرع والذي هو عبارة عن مساعدة أو (حتة جدعنة بالبلدي) او تعبير عن المشاركة الوجدانية من قبل افراد تجاه مجتمعهم في مواجهة وباء هبط فجأة دون سابق إنذار، وبين الالزام أي إجبار كل واحد على التبرع حتى ولو كان في أشد الحاجة لهذا المبلغ البسيط ولكن القانون يجبره على التبرع بهذا المبلغ الذي يصعب اقتطاعه من راتبه.
والحقيقة إنني لست مع المستشار بهاء ابو شقة في إن مشروع القانون الذي سيتقدم به للبرلمان قريبا، ويلزم المواطنين بالتبرع لمواجهة فيروس كورونا، الهدف منه زيادة التكافل بين المواطنين، وأن تكون هناك مشاركة من المواطنين للدولة في تحمل أعباء وباء كورونا. وأن نثبت أن الدولة رئيسا وحكومة وشعبا على قلب وإرادة وتصميم رجل واحد"،
يا سيدي كلنا مع الدولة وكلنا على قلب رجل واحد خلفها في مجابهة هذا الفيروس المدمر لكن لا يعقل أن تلزمني - كفرد عامل - في المجتمع بما ليس ملزما لي ، ومن أدراك ان قدرتي كفرد عادي او رجل أعمال أو صاحب منصب هي 5% أو 10% أو حتى20% من راتبي، فمن الممكن ان تكون قدرتي أكثر من ذلك بكثير، ولكن اترك لكل فرد من أفراد المجتمع حرية الاختيار وحرية خدمة وطنه كيف شاء بكل حب واطمئنان دون إجبار بقانون .. يا سيدي كفانا قوانين ، إننا نريد ان نخدم وطننا – كأفراد قبل أن نكون مؤسسات - وننميه ونرفعه إلى مصاف الأمم دون قوانين مكبلة لحركتنا وحريتنا في العطاء والانتاج ، ويا أعضاء مجلس النواب ليسعى كل منكم للتفكير في الأشياء الطوعية التي تساعد على العطاء بكل قوة واريحية والنظر بحيادية وبكل دقة والتفكير بعمق – قبل اعتماد القوانين بصفة عامة - في مدى قبول أفراد المجتمع لمثل تلك القوانين التي تحد من حرية الفكر وتشل من حركة التطوير الذاتي الذي ينهض بالمجتمعات إلى التطوير الجمعي الذي ننشده جميعا لوطننا الغالي.