طريق العودة
بقلم : أحمد أبواليزيد
وداعا دارالعلوم الأغلي
من حياتي
انتظمت طالبا ضمن طلاب كلية دارالعلوم في العام الجامعي ١٩٨٨-١٩٨٩ ، بعد أن رشحني لها مكتب التنسيق أثر حصولي علي الثانوية العامة ١٩٨٨ .
حملت أمتعتي من مسقط رأسي بسوهاج ، وعبر القطار من محطة طهطا بصحبة ابن عمي الأزهري الذي أخذ يعلمني مبادئ السلوك في التعامل مع أنواع البشر الجديدة .
جاءت حياة القاهرة لي مبهرة وصاخبة مليئة بالمفاجأت ، حيث الأضواء الساحرة والمباني الضخمة والشوارع الفسيحة الملأي بالناس والسيارات ودور الملاهي ، ومنظر النيل الأجمل من نيلنا في سوهاج .
لم أكن موفقا في دراستي بالقدر الكافي ، فقد اتخذت الجامعة منطلق لخيالي وأحلامي ، بعد أن رأيت القبة الخضراء والساعة الضابطة ، فهمت علي وجهي أبحث عن عوالم شتي ؛ شكلتها لنفسي من داخلها للفضاء الرحب .
لا شك أن أساتذتي الذين لقنوني الدرس الأول كانوا عظماء في كل شئ ، أخص منهم الأساتذة الدكاترة : علي الجندي ، الطاهر مكي ، شفيع السيد ، أبوهمام ، عبدالواحد علام ، السعيد الباز ، محمد بلتاجي ، محمد حسن عبدالعزيز ، أحمد عبدالدايم ، أبواليزيد العجمي .
ومن المعيدين : ياسر حسن رجب ، جمال عبدالعزيز ، زكريا سعيد ، أيمن ميدان .
ولا أنسي عم سعيد الصول وهو يحيي العميد الدكتور محمد بلتاجي تحية تليق ، كما يحيي الدكتور أحمد هيكل والدكتور كمال بشر .
العقيد محمد ناجي الإنسان قائد الحرس والأستاذ مسعد أخصائي شئون الطلاب .
مضي قطار العمر لأصطدم بعمالقة صنعوا مخيلتي الثقافية ووجهوا قبلتي العلمية ، ووضعوني حيث العلم الذي لا يكون مناله سوي بالكتاب مصاحبة وحياة .
حقيقة كنت في مأساتي من سيل الإخفاقات المتكررة والتي امتدت سنوات طويلة ، وإنني اليوم أقف علي قدمين ثابتتين بعد حصولي علي الليسانس وتلدباوم الخاص والماستر ، وتوقف محطتي عند حائط صواريخ الدكتوراه ، لهو عائق وضعت نفسي فيه فتقوقعت .
أودع اليوم حياتي كلها وذكرياتي وأحلامي إلي حياة جديدة قد تسعني بأفكاري .
الشكر كل الشكر للعميد الهمام صاحب الصدر الواسع الذي تلقي مدافعي بثبات انفعالي ، وحسب ذلك وجهات نظر ، تحية للدكتور العزيز الغالي أحمد بلبولة صاحب الأيادي البيضاء المدرارة علي كل قطعة في رأسي وجسدي ، الكريم المعطاء الصابر في محراب دارالجلالة ، لا يحيد أبدا عن حبيبته الدار .
تحية للتطور اللائحي الذي شهدته الكلية ولم تتسع ثقافتي لفهمه ، تحية لمجدد الدماء القابض علي الجمر قائد السفينة ، أستودعه اليوم وأهمس في أذن رئيس جامعة القاهرة أن هذا الرجل رجل إدارة ، رغم أنني لم أستوعب مدي فرد جناحه ، أقر وأعترف أنني قصرت في حق نفسي وحق الدار وحق أساتذتي ؛ وتطاولت بدون ثقافة فأرشدوني للصالح العام ، أعترف أنني سكبت اللبن علي الأرض وشكرا من حبي للدار فغشيتني الرحمة ، ولمت نفسي أن قلت يوما : أقيلوه ، ولم أندم لأنني تمنيت له الخير في إبداعه وتألقه
العميد المستنير الذي كللت خطواته الدرجات الإدارية فجات عائقا عن طيرانه نحو النور ، تحية للأكاديمي المستنير بالرأي والفكر في دائرة واسعة ، حيوا معي أحمد بلبولة أجمل تحية ، وهزوا بجذع الدار يساقط علينا من رطبه الطرية .
وإنني اليوم أستاذي أمد يدي لكم بالسلام فلا تخذلوني ، وكل ما أرجوه أن تودعوني بلا دموع ولا أحزان ، بل بكل الحب والحنان .
حتما سأعود يوما لأسلم عمن نسيت وداعهم الدكاترة : مديحة السايح ، فاطيماا عبدالمطلب ، أمان أبوالفتوح ، ومن قبلهم سلوي ناظم .
تحية للأب الروحي أستاذي العظيم الدكتور أحمد درويش ، علم علي رأسه نار ، الذي علمني أن العلم زواج كاثوليكي لا يقبل التعدد .
تحية للوكيل للأستاذ الدكتور يوسف عبدالفتاح ، الدارمي اللغوي الفنان وكتيبة علم اللغة الأخيار .
تحية للدادات الحي منهم والذي مات : أم وداد عائشة ، أم أشرف ، أم عبدالله ، أم محمود وأم كمال .
ولا أنسي الأفاضل موظفي الدراسات العليا الذين تحملوني فوق طاقة الإحتمال ، وقدروني قدري وجعلوني انسان تمام .
تحية للمبني العملاق وكل رواده وشبابيكه الخضراء ، وداعا مودعا يرجو اللقاء.
لا بد من استراحة محارب ظل 36 سنة في محراب دارالعز والفخار .
فيا رئيس جامعة القاهرة أوصيك بالدار خيرا ورجالها الأخيار .دارالعلوم البركة وكل أمل بمقدار .
تحياتي وأشواقي .