الإنسان ما بعد الجائحة
سيولد من رحم كورونا التى مازالت تدور رحاها ما بين الفيروس والبشرية، والمؤكد أنها ستترك آثاراً اجتماعية وانسانية جديدة، وربما تعيد تنظيم السلم القيمى الذى عاش عليه العالم لعقود طويلة، وتخلق قيما جديدة فى المجتمعات تترتب عليها اعادة ترتيب الأولويات للإنسانية، وعلى رأسها قوة العلم والعلماء التى منحها الله للإنسان، بحيث تعود الأولوية مرة أخرى الى البحث العلمى المدنى الذى يخدم الإنسان والبشرية بشكل عام، بعد أن طغت الأبحاث العسكرية فى شتى الدول المتقدمة على كل ما دونها، ووصل مخزون الأسلحة الذرية مداها، ووصلت المنافسة الى ذروتها فى حروب الفضاء والجيل الرابع والخامس، وأصاب الغرور الدول العظمى، وأعتقد البعض أنه أصبح سيد الكون من خلال أبحاثه العسكرية وتقدمه الهائل فى هذا المجال بهدف الهيمنة والسيطرة والابتزاز.
< مؤكد أن الفيروس فاجأ الجميع ليس فقط من حيث التوقيت أو المكان، ولكن من حيث الصفة، على اعتبار أنه عدو لم تلتقطه أو تكتشفه أعتى أجهزة المخابرات ولا أقمارها الصناعية التى ترصد ـ دبة النملة ـ على الكرة الأرضية، وعجزت أمامه كل أسلحة الدمار الشامل ومخزون الأسلحة الذكية والذرية، وفاق الجميع على أنه لا بديل عن العودة الى ما يخدم الإنسان والبشرية، وأن الجيش الوحيد القادر على المواجهة هو ـ الجيش الأبيض ـ والمؤكد أن هذه المعركة سوف ترسخ قيما وثقافات جديدة فى كل المجتمعات لا فرق بين دولة وأخري، ورأينا كل الشعوب على اختلاف ثقافتها حريصة على الخروج الى شرفات منازلهم والتصفيق تحية وامتنانا لأعضاء الجيش الأبيض، وكلها مؤشرات على تغير السلوك الاجتماعى بعد كورونا وتثمين دور الأطباء والعلماء وكل ما يعمل فى خدمة الإنسانية.. وفى اعتقادى أن المستقبل سيكون لإعادة تصحيح مسار الثورة العلمية مرة أخرى لخدمة الإنسان وخدمة الطبيعة التى تنفست الصعداء وعادت إلى نقائها بعد أن غابت الضوضاء وخمدت أدخنة المصانع وألسنة اللهب فى معظم أرجاء المعمورة.
< على جانب آخر سوف تتلاشى ثقافات وعادات اجتماعية، وتنمو أخرى لعل أهمها تلاشى الانقسامات الدينية التى قسمت العالم سابقاً، وأدت الى نشر ثقافة الكراهية والتعصب بين بعض الدول أو داخل المجتمع الواحد، وذلك بعد أن أجبرهم الفيروس على ضرورة الوحدة والتزام سلوك بشرى متضامن على شتى المستويات، ورأينا العديد من المبادرات الإنسانية التى تعاملت مع الجنس البشرى بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق.. كما تلاشت عادات اجتماعية سيئة فى الغرب بعد أن أيقن أهمية المياه فى النظافة، كما بدأت تتلاشى عادات سيئة فى الشرق للسلوك البشرى ورأينا سلوكا وأفكارا أكثر تنويراً فى التعامل والتضامن المجتمعي.. كما تم التخلى عن عادات اجتماعية وسلوكيات بالية كان يضطر البعض لقبولها باعتبارها عرفا سائدا فى المجتمع.
< نأتى الى متغير جديد سوف يسود فى مجتمعنا حول مستقبل العملية التعليمية، ورب ضارة نافعة، بعد أن بات الجميع أمام ضرورة استخدام الوسائل الالكترونية التكنولوجية الحديثة فى النظام التعليمي، وكلنا يعلم أن كثيرا من دول العالم قد سبقتنا فى هذا المجال.. وعندما حاول الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم قبل أكثر من عام التحول نحو هذه السياسة، لاقى معارضة شديدة، وتوحدت ضده كل عناصر الدولة العميقة فى مجال التعليم بهدف إفشال مشروعه، والاستمرار على النظام القديم الذى يكبد الدولة والأسر المصرية عشرات المليارات سنوياً فى شكل كتب وتجهيزات ودروس خصوصية فى وقت يتجه فيه الجميع نحو التعليم الحديث بكل مميزاته الذهنية والفكرية.
< أعتقد أن كورونا سيعيد تنظيم النزعة الإنسانية والسلوك البشري.. وإذا كانت مصر الرسمية قد تعاملت بحرفية وتحضر فى مواجهة الأزمة من خلال توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى وحرصه الشديد على كل المصريين وسلامتهم وانحيازه الى الشرائح البسيطة، وتكليف الحكومة بإجراءات عديدة كان على رأسها ترسيخ مبادئ وثقافة جديدة وهى احترام المواطن المصري، وليس أدل على ذلك من قيام الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء بالاتصال بزوج الطبيبة سونيا عارف التى صاحب وفاتها بكورونا أحداث مؤسفة، وقدم رئيس الوزراء واجب العزاء والاعتذار عن التصرفات المشينة من بعض الجهلة، كما اتخذت الدولة إجراءات حاسمة فى مواجهتهم.. وبالتالى أصبح لزاما علينا جميعاً أن نعيد تنظيم سلوكنا تجاه هذا الوطن الغالى
حمى الله مصر من كل سوء