ما بعد الجائحة نفسيا وسياسيا
يبدو أن الآثار النفسية لجائحة كورونا هي الأخطر وليس الإصابة بالفيروس نفسه، وذلك ليس فقط لمن يخوض التجربة بمراحلها المرعبة، مثل الإنتظار المخيف لنتائج المسحات، بدأ من الأولى التي تكون صدمتها كبيرة عند إيجابيتها مرورا بالمسحات التالية حتى يصل إلى الكلمة التي تصبح هي الأهم في حياته حين يقال له أن النتيجة سلبية.. هنا يتنفس الصعداء و يبكي فرحا أكثر من سجين سمع خبر الإفراج عنه.. كل ذلك بالإضافة إلى مرحلة العزل، لابد وأن يكون له آثاره الكبيرة على الحالة النفسية للشخص.. ولكن ربما كثيرين لن يسلموا من تبعات هذا الوباء حتى وإن لم يصابوا به، هذه الحالة من القلق المستمر و الطريقة الضرورية لتجنب العدوى و التي تقوم على أن الشخص عليه التعامل مع الجميع على أنهم مرضى أو أن هو المريض وعليه الحرص على عدم إصابة غيره كل هذا له بالغ الأثر، ذلك فضلا عن توقف الحياة الطبيعية لكافة البشر، ربما لم يكن أحد يتخيل أن تحبس حريته ويحرم من عادات عاش عليها لسنوات.. وقد تحدثت عدة تقارير عن آثار إجراءات الحظر والعزلة على الصحة النفسية للناس، خاصة في ظل عدم توفير بعض الإحتياجات بسبب الترك الإجباري للعمل وإن كان مؤقت و توقعت تلك التقارير زيادة حالات الإكتئاب و أيضا حالات العنف المنزلي و المشكلات الزوجية و هذه حقيقة، بغض النظر عن الإستثناءات التي وجدت العكس و أن بعض الأزواج أعادوا تقييم علاقتهم بهدوء واستطاعوا تجاوز خلافات كثيرة كانت بينهم.. في مجتمعاتنا العربية ربما يكون الأمر أكثر صعوبة على الصحة النفسية وإن لم ننتبه لذلك لعدم إعطاء ذلك الجانب أولوية وذلك خطأ كبير علينا تصويبه، لابد أن يكون هذا النوع من العلاج أمر عادي لا يختلف نهائيا عن البدني، لأن ذلك ربما يساعد في القضاء على بعض من الأمراض المنتشرة بيننا والتي تعود إلى عوامل نفسية أكثر منها عضوية.. صعوبة الوضع لدينا يعود إلى العادات الإجتماعية الخاصة بنا والتي لا توجد لدى غيرنا.. المناسبات لها أهمية عندنا و قد جاءت الجائحة بالتزامن مع معظمها، كما أن للمجاملات نصيبا كبيرا في تعاملاتنا.. وقد تتسبب إجراءات التباعد الإجتماعي أيضا في وجود بعض المشكلات بين الناس ممن لا يقدرون أهميتها في الحد من إنتشار الفيروس، وذلك بسبب عدم وجود الوعي الكافي لخطورة الموقف والذي لا ألوم فيه الناس رغم أنهم يتحملون جانبا منه بقدر ما ألوم الظروف القاسية التي يعيشونها، وتجبرهم على العيش بهذه الطريقة التي يجب إعادة النظر فيها بشكل أكثر عمقا وجدية.. وعلى الجميع إدارك حقيقة أن العالم بعد كورونا لن يكون أبدا كما قبله وذلك في كل المناحي سواء كانت نفسية أو سياسية و أيضا اقتصادية ..
ستخرج الشعوب من كورونا أكثر تعطشا لأشياء كثيرة كانت تراودها قبل الجائحة خاصة مع ازدياد سوء أوضاعها، و ستكون هناك تغيرات هائلة سوف تشمل أنظمة بالكامل و إجبار البعض على التغيير الجذري.. أما عن النظام العالمي.. لابد وأن حسابا عسيرا ينتظره، وذلك لمسئوليته الكبيرة عن تفشي هذا الوباء، والذي كان من الممكن احتوائه بمجموعة من الإجراءات في توقيت مبكر، وفي مقدمة الجهات التي يجب محاسبتها.. منظمة الصحة العالمية التي تأخرت كثيرا في إعلان كورونا وباء عالميا مما يثير الشكوك حول إمكانية تواطئها مع الصين في هذا الشأن.