من أجل حياة أرقى ... من الذكريات
ما أكثر وقت الفراغ في زمن الكورونا ف(خليك بالبيت) حدت من حركة الحياة النشطة التي فطرنا الله عليها وإن شاء الله تعود كما كانت بل أكثر، وبدأ كل منا يبحث عما يملأ يومه فيكمل ما نقص في منزله من حاجيات أو إصلاح ما أهمل في زمن العمل، أو يرجع ليمارس هواية افتقدها من كثرة انشغاله، وأصبح الهاتف – في زمن الكورونا- نديم الانسان ينجز الكثير من أعماله أو يطمئن به ويسلم على أهله وأصدقائه ومعارفه أو يعرف من خلاله أخبار العالم والتي اصبحت تغم أكثر مما تسر، فهذا الكورونا جعلنا نسمع أعداد الوفيات بالالاف في العالم بعد ان كنا نتأثر من حادثة أودت ببعض الافراد، هذا غير بقية الاخبار السيئة نتيجة القتال الدامي بين أبناء الشعب الواحد في بلادنا العربية كاليمن وسوريا وليبيا والعراق، والكثير منها اريقت بسبب الارهاب الظلامي، ومنها تعنت الجانب الاثيوبي في مشروع سد النهضة ونكوثه عن الاتفاقيات الدولية المبرمة التي تهدف لحفظ حق دول المصب في مياه النيل، كل هذا وغيره الكثير يجعل الإنسان يبحث عن شئ يريح أعصابه فلا يجد إلا التلفاز فيبتعد عن نشرات الاخبار والبرامج الحوارية ثقيلة الظل إلى برامج الترفيه أو ما شابه وبالفعل أمسكت بالريموت لأبحث عن بعض الموسيقى التي تهدئ الاعصاب فوجدت على إحدى القنوات الخليجية، جلسة غناء عربي حيث الجميع جلوس يشكلون مستطيلا ناقص ضلع يتوسطه المطرب أو المغني وشاهدت عددا كبيرا من الجالسين الكل يتمايل طربا مع الغناء، ولكن ما حز في نفسي أن أغلبهم كان يستخدم المسبحة او السبحة-كما نقول- وهو يتمايل أو يرقص وأغلبهم من كبار السن، ويلفونها حول أيديهم يمينا تارة وشمالا تارة أخرى وكأنها إحدى الالات الموسيقية التي يستخدمها العازف أثناء الغناء، ولعل من نافلة القول أن أحد مطربي الخليج المشهورين يلف مسبحة أو أكثر حول معصمه كنوع من الديكور الخاص به.
حينما شاهدت المنظر تذكرت أول مرة أهديت لي سبحة منذ زمن طويل حينما كنا في (الكتاب ) وهي فترة ما قبل المدرسة وكان يحل محل ما يطلق عليه الآن الروضة أو ( الحضانة) أو ( كي جي ون وتو )، فكان معلمنا – وكنا نطلق عليه (سيدنا) يعلمنا قراءة القرآن أولا بجانب بعض أساسيات اللغة العربية التي تقوم إعوجاج نطقنا مع تعليمنا بعض قواعد الحساب، لكن كانت وظيفة الكتاب الأساسية تعليم القراءة الصحيحة لكتاب الله عزوجل وحفظ سوره الكريمة، وكانت مكافأة المجتهد الذي يحفظ ما كلف به ( مسبحة) وكان سيدنا يعلمنا كيف نسبح الله ثلاثا وثلاثين ونحمده ثلاثا وثلاثين ونكبره أربعا وثلاثين لتكتمل المائة تسبيحة.
تذكرت أيضا كيف كان الشيخ الجليل يضرب كل من يعبث بمسبحته على أعتبار أننا نذكر اسم الله عليها، فيجب ان لا نعبث بها، ورغم تفضيل علمائنا التسبيح على كف اليد ورغم ظهور وسائل عديدة غير المسبحة كالعداد الذي أتيت به في أول رحلة لي للأراضي المقدسة لكن كل هذا لم يبعد عن ذهني المسبحة الهدية وفرحتنا به ونحن صغار لنقوم بذكر الله عليها مع أننا لم نبلغ التكليف بعد، ولكنها التربية الإسلامية التي كان يغرسها فينا شيوخنا الافاضل، فلما شاهدت استخدامها بهذا الشكل أثناء الغناء قلت سبحان الله شتان بين زمنين.