قصة من الريف (1) .. عندما كنا صغارا
ونحن أطفال صغار ، نشأنا فى قرية صغيرة شأنها شأن باقى القرى ، لايوجد كهرباء ولامياه شرب ولاصرف صحى ، وكانت الحياة صعبة ودخول الناس موسمية وربما سنوية ، النقود تختفى طوال العام ولاتظهر الا فى موسم حصاد القطن التي كانت قريتنا مشتهره فيه ، ولا تقام الافراح الا بعد موسم الحصاد حيث تتوافر النقود من بيع القطن ، وللحقيقة كان الطموح محدودا نظرا لطبيعة مجتمع القرية المغلق والثقافات البسيطة وقلة انتشار جهاز التليفزيون وكان الإعتماد الأساسى على مايبثه الراديو لنا من أغانى وطنية أو برامج موجهة والمثقف فينا من كان يقرأ كتاب أو يسمع إذاعة لندن ، فى الشتاء نذهب الى المدرسة وقدوتنا مدرس الفصل ، كنا نعتبره المثل الأعلى نقلده حتى عندما كان يخلع ساعته ليضربنا بالعصا إذا تحدثنا مع بعض فى الفصل أو أثناء شرح الدرس ، وعقب انتهاء اليوم الدراسى نتناول الغذاء سريعا ، وبعدها نذهب الى اللعب كرة القدم حفاه ويابخته من يشتري كوتش باتا ب ٦٧قرشا وبعدها نعود للمذاكرة على الطريق الزراعى ثم رعاية البهائم من مأكل ومشرب ، وقبل آذان المغرب بقليل نقوم بفك حبال المواشى والذهاب خلفهم إلى البيت ، كانت الحياة فى القرى تسير على هذا المنوال ، مابين المدرسة والمذاكرة والذهاب لرعاية البهائم فى الحقل ، ونادرا ماكنا نتابع مباراة كرة القدم فى التليفزيون مقابل قرش صاغ ، بحق كانت الحياة ابسط ماتكون ، بعد العشاء كانت القرى تتحول الى ظلام دامس لعدم وجود كهرباء لكن الناس تعودت على اللمبة نمرة ٥ ونمرة ١٠ والميسور فينا من كان يشعل الكلوب أبو رتينة ليعطى إضاءة أكثر ، كنا نتنافس على المذاكرة والتفوق ولايوجد بديل سوى المذاكرة للخروج من هذا المجتمع المحدود إلى مجتمع أكثر سعة ، وظل الحال بدون كهرباء حتى أواخر السبعينات عندما قررت الحكومة الإفراج عن سكان القرى والسماح لهم بحياة شبه كريمة ، أما عن مياه الشرب فحدث ولا حرج حيث كنا نقطع مسافات طويلة على الدواب لجلب المياه من حنفيه في اخر البلد ا لنا وكنا نحمد الله على كل هذه النعمة ونتمنى دوامها ، ومع صعوبة الحياة وقسوتها كانت الأسر أكثر ترابطا وحبا وكان الفلاح أكثر اخلاصا ورعاية لأرضه ، الحقول كانت عبارة عن خلية نحل خاصة وقت جنى القطن والقمح..كانت ايام !! حلوه عشنا في هنا وسرور ويحكي لي احد رجال القريه ان والدي هو اول من اشتري راديو في البلد ليستمع اهالي القريه كل خميس ليستمعوا للست ام كلثوم. وكنا صغار نتنافس في المذاكره وللحديث بقيه في كتاب قصه من الريف...