من أجل حياة أرقى ... الوراثة
لم اشهد في حياتي زحاما لمفهوم الوراثة كما نراها في أيامنا هذه فابن العمدة عمدة وابن الغفير غفير وابن القاضي قاض ، ولعلنا نتذكر قول وزير العدل الاسبق (اقدر عامل النظافة ولكن لا يمكن ان يعمل ابنه بالقضاء ) وحينما ووجه بعاصفة من النقد اعتذر ولكن بقيت المقولة شاهدة على الواقع المعاش ، وقس على ذلك العديد من المهن كالدكترة والهندسة ولاعب الكره فابن الطبيب يتخرج طبيبا كوالده وغالبا ما يأخذ نفس تخصصه حتى يمكنه وراثة عيادته، وابن المهندس يرث شركة مقاولات والده، وابن القاضي او المحامي يرث مكتب والده، وقس على ذلك اغلب المهن،، نعم من حق أي إنسان ان يرث ميراث والده ولكن من الممكن ألا يرث مهنته وخصوصا إذا تطلبت المهنة ذكاء وفطنة وعلما بمقتضيات الواقع يفتقدها الابن كمهنة القضاء التي في رأيي تتطلب مواصفات خاصة ولا تكتفي بالوراثة ولكن للأسف بعض القضاة يسعون جاهدين في تعيين اولادهم في السلك القضائي رغم فقدانهم لمؤهلات التأهيل وذلك على حساب المستحقين لها والذين يكون لديهم طموح كبير ويسعون له بكل قوة ولكن للأسف يصطدمون بالواقع الذي يحبطهم ويحطم آمالهم، ولعل التعليقات على طفل المرور (ابن سيادة المستشار) الذي ظهر في عدد من الفيديوهات وهو يهين رجال شرطة ويرتكب حماقات أظهرت التعليقــات السخرية المرة من موضوع الوراثة فقد علق الكثير منها بالقول أن الطفل سيصبح يوما ما قاضيا كوالده رغم تدني سلوكه.. أما عن الوراثة في التمثيل فحدث ولا حرج فقد اكتشفنا مؤخرا ومن خلال برامج التواصل الاجتماعي والذي احب ان اسميها (مجتمع النميمة) فقد تخطى هذا المجتمع الافتراضي بآلاف المرات تلك التجمعات الصغيرة واللقاءات العابرة التي كان ينشط فيها مجتمع النميمة لتعرف اسرار النجوم وعائلاتهم ولكن في مجتمع النميمة الجديد اصبحت المعلومة التي كانت تقتصر على عدد محدود من الافراد يعرفها المئات بل الآلاف في دقيقة او اقل فاكتشفنا ان الوراثة دخلت هذا المجال من اوسع ابوابها فبنت الفنانة فنانة وابن الفنان فنان وهكذا والاسماء كثيرة لا تعد ولا تحصى، والأكثر من ذلك انتقلت العدوى للاحفاد، فهذا مجتمع المال والرفاهية ومن الصعب الابتعاد عنه فلابد للعائلة ان تنهل منه حتى لو كان افرادها بلا موهبة في المجال، واصبحت برامج التواصل محل تندر لهذا الامر فرغم عدم موهبة الممثل او الممثلة تجد لها دورا ويمكن ان تحصل على بطولة لانها ابنة الفنان الكبير او ابن الفنانة القديرة وكأن المجال عبارة عن عزبة يصعب الدخول إليها من غير اهلها حتى لو كان هناك من يملك موهبة كبيرة والجميع يعرفها بل هناك عائلات فنية بالكامل ليس على المستوى المحلي بل على المستوى الدولي فهناك عائلات هوليودية وعائلات بوليودية بالكامل حتى لو كان أبناؤها بنصف موهبة فمع الممارسة والدربة تدخل المجال وتؤدي المطلوب حتى لو كان على حساب البراعة في الاداء والإتقان والجودة في تقمص الدور، وللأسف صاحب الموهبة الحقيقية لا سبيل أمامه إلا النحت في الصخر عله يجد فرصة يخرج فيها إبداعاته بسبب الوراثة. فهل من مخرج لعالم الوراثة لينهل الجميع من خيرات الله بناء على قدراتهم وليس بناء على آبائهم وامهاتهم، وان يجد ابناء الطبقة الفقيرة او المتوسطة مكانا بين ابناء الطبقة الأعلى منهم بمعنى أصح هل يمكن ان تتداخل الطبقات وتزول الفوارق لنشهد مجتمعا متجانس افراده يسعى جاهدا للنهوض ببلده بعيدا عن الوراثة التي دعمت الطبقية المقيتة . هل آن الأوان لينعم كل إنسان بموهبته ويحقق طموحه بكل حرية دون تقييده بوراثة او واسطة.