مصر وفرنسا بعد زيارة الرئيس
بقلم محمد حلمي
العلاقات المصرية الفرنسية عميقة ومتجذرة، منذ زمن بعيد وتحديدًا من فترة محمد على باشا الذى استعاد اكتشاف وبناء مصر الحديثة مستعينًا فى ذلك بالعلماء والقادة الفرنسيين بعد سقوط إمبراطورية نابليون بونابرت، ومنحهم محمد على ملاذًا آمنًا للعيش فى مصر والاستعانة بخبراتهم العلمية والعسكرية، كما كانوا إحدى أدواته فى بناء وتخطيط مصر الحديثة، وساهموا فى بناء وتدريب الجيش المصرى، الذى تحول فى سنوات قليلة لأحد أقوى الجيوش العالمية بقيادة القائد إبراهيم باشا.. كما كان للبعثات من الطلبة المصريين إلى أوروبا أثر كبير على المجتمع المصرى وتحضره وتقدمه إضافة إلى اكتشاف ديليسبس مشروع إنشاء مجرى قناة السويس بين البحرين الأحمر والمتوسط لربط شرق العالم بغربه، لتصبح أهم مجرى ملاحى فى العالم لخدمة التجارة العالمية، وأيضًا كأحد أهم المشروعات الاقتصادية لمصر. < وإذا كانت العلاقات المصرية الفرنسية قد شهدت تطورًا ملحوظًا فى السنوات القليلة الماضية، وتحولت إلى علاقات استراتيجية بعد أن قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى تنويع مصادر السلاح والاعتماد على فرنسا وألمانيا فى هذا الشأن.. فإن الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى إلى فرنسا والتى اختتمها أمس تبقى لها أهمية خاصة وتؤسس لمرحلة جديدة من استراتيجية العلاقة بين البلدين بسبب التوترات الأخيرة التى حدثت بين فرنسا والعالم العربى والاسلامى، وأيضًا بسبب الوضع الملتهب فى شرق المتوسط، وتزايد حدة الصراع على ثروات المنطقة، إضافة إلى الأحداث الجارية فى ليبيا وسوريا.. والواضح منذ اللحظة الأولى لوصول الرئيس السيسى إلى باريس وحفاوة الاستقبال وترتيب لقاءات عديدة مع المسئولين الفرنسيين، أن الزيارة ذات طبيعة خاصة، وتأكد ذلك من خلال المؤتمر الصحفى للسيسى وماكرون الذى شكل حوارًا حضاريًا راقيًا لم تنقصه الصراحة فى أى جانب، وأزال التباسًا كبيرًا لدى كلا الطرفين فى مسائل حقوق الإنسان والإرهاب والتطرف وغيرها من القضايا التى تختلف فيها وجهات النظر بسبب التفاوت فى الثقافات والقيم والعادات والتقاليد بين الشرق والغرب التى توقف أمامها الرئيس السيسى بعبارات قاطعة ورسائل واضحة أهمها أنه لا أحد يستطيع أن يفرض على الشعب المصرى ما لا يريده، وأن مهمته حماية مائة مليون مصرى، كما تم التأكيد من جديد على أنه لا علاقة لأى دين بالإرهاب، كما أشار إلى أن انتهاك القيم الدينية مخالف لحقوق الإنسان. ويبقى الجانب الأهم فى هذه الزيارة، وهو إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط للمرحلة القادمة، وكلنا يعلم أن هناك تغيرات كثيرة حدثت على المسرح العالمى، وعلى رأسها الانتخابات الأمريكية وفوز المرشح الديمقراطى بايدن الذى يبدأ مهام عمله فى يناير ا القادم. وعلى رأس أولوياتها الأحداث الملتهبة فى شرق المتوسط والاستفزازات التركية المتكررة إضافة إلى الملفين الليبى والسورى وغيرهما من الملفات التى تهم مصر وأمنها القومى الأمر الذى يستدعى تنسيقًا مصريًا أوروبيًا، وهذا ما تم تأكيده وترسيخه فى القمة المصرية الفرنسية، وهذا ما أعلنه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عندما أكد على أن دور مصر رئيسى ومحورى فى الشرق الأوسط، وأن الشراكة الاستراتيجية مع مصر ضرورة لاستقرار الشرق الأوسط والمتوسط، ومن المؤكد أن تداعيات هذه القمة سوف تمتد إلى القمة الأوروبية وقراراتها سواء فى مواجهة الاستفزازات التركية فى شرق المتوسط أو على الأراضى الليبية والسورية، وإذا نظرنا إلى باقى جوانب هذه القمة اقتصاديًا وثقافيًا سوف نعى أنها كانت زيارة تاريخية هامة فى هذا الوقت الدقيق التى تمر به منطقة الشرق الأوسط واعتقد ان الجميع يتفق معي بان هذه الزياره الناجح لها ما بعدها بعد الحديث الصريح الذي تحدث بيه الرئيس السيسي