المعلومات المضللة أشد فتكا من كورونا ”1”
مع مطلع عام 2020، تزامن الإعلان عن وباء كورونا مع انتشار وباء آخر أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية وباء المعلومات Infodemic واعتبرته استثناءً من حيث إنه لم يحدث من قبل عبر تاريخ الإنسانية، وأزمنة الأوبئة. وكما ضرب وباء "كورونا" الصحة فى مقتل، فقد ضرب وباء المعلومات المضللة ما نعرفه عن الدقة والعمق، وتجنب الإثارة فى مقتل، وأعاد للأذهان ما عرفه العالم فى عام 1835 من فبركة علمية، كان مفادها ما نشره الصحفي ريتشارد آدامز عن سفر عالم الفلك الشهير جون هيرشل إلى جنوب إفريقيا، واستخدامه تليسكوبا ضخما اكتشف من خلاله وجود خفافيش تجمع الفاكهة على سطح القمر، ومعبدا كاملا من الياقوت، ومخلوقات زرقاء تشبه الماعز. هل كانت تلك معلومات مستوفاة، أم كانت قصة مضللة تشبه ما يعيشه العالم اليوم مع انتشار كثير من الخرافات والمغالطات المرتبطة بفيروس كورونا؟ .
ومن أمثلتها الحديث عن نظرية مؤامرة مرتبطة بمؤسسة جيتس أو غيرها من أنظمة بيئية تآمرية، وأن استخدام الأشعة فوق البنفسجية لتعقيم اليدين وشرب السوائل والأعشاب، وتناول الثوم يقى من الإصابة بالفيروس، وأهمية عدم تسلم طرود من بلدان يتفشى بها الوباء مخافة الإصابة، وأن شرب الكحوليات أو حرارة الصيف يقتل الفيروس، وأن الوباء عقاب إلهى، لا بل إنه سلاح بيولوجى عالمى، وأنه ينتقل عبر الهواء، وانتشار المعلومات الخاطئة التى نجم عنها الاحتجاج على دفن طبيبة توفيت بعد الإصابة خوفا من نشر العدوى، والأخبار المحرّفة عن عدد المتبرعين ببلازما الدم الذي فاق عدد الإصابات الإجمالى، وليس عدد المتعافين فقط، والأخرى عن أن حامل الفيروس من غير أعراض لا ينقل العدوى، وغيرها مما أحدث بلبلة وتشككا كبيرين.
وباء المعلومات المضللة هو استثمار فى الخوف والرعب والتهويل والقلق على أغلى ما يملكه البشر، وهى الحياة ، وانعكاس للتضارب بين مشاعر الأمل فى النجاة والسلامة، وحماية النفس وتأمينها، وبين الرغبة فى تقليل الحذر، ورفض التشكك فى المنظومة الصحية والمؤسسات الطبية، ترقبا لأمل قريب فى علاج أو لقاح للفيروس القاتل، وهو تنمر عنصري تجاه مجتمعات أو مجموعات بعينها ناتج عن تجهيل معلوماتي بأنها هي مصدر الوباء، وأحكام جائرة أو غير جائرة إزاء صورة ذهنية عنها ترتبط بالفيروسات والأمراض، وهو أكاذيب تنشر الوصم على نطاق واسع عن أماكن السفر والأعراض الصحية التى تنجم عن الوجود فيها ومخاوف من إجراءات حكومية تجاهها. وباء المعلومات المضللة هو فقد الثقة فى الحكومات ونظريات مؤامرة، وحملات سياسية، وإعلانات حقوقية وتجارية وأسواق أسهم متخبطة، وهو انتشار لمعلومات مغلوطة وزائفة، ثم معلومات أخرى حول تلك المعلومات، وهكذا دواليك.. إنه تعويل على وعى شعب لا يمكنه تقييم الحقائق، ويقابل كل ذلك رد فعل رسمي غير مواكب، وهو جهات فاعلة ذات أهداف تقوم بتوظيف نشر المعلومات، وإرسال الأخبار والرسائل للتأسيس لموقف محدد وخلق حالة من عدم اليقين أو مجرد إقناع الأفراد بمبدأ ما.
إن تفشى وباء المعلومات المضللة كان أسرع وتيرة من تفشى الفيروس ذاته، فمعظمنا شغوف بجمع المعلومات والوقوف على أحدثها، لكننا لسنا على نفس درجة الشغف بالتدقيق فيها، وأصبحت الحاجة إلى لقاح "الثقة" أكثر إلحاحا من الحاجة إلى "لقاح الفيروس"، الثقة فيما بيننا وفى بعضنا بعضا، الثقة فى حقوق الإنسان والاحترام المتبادل، خاصة بعد أن تراجعت آليات فرض العولمة، وانكفأت المجتمعات على نفسها، وأغلقت مطاراتها، وبوابات الدخول عبر حدودها.
وعبر تقارير متلفزة، ومنشورات مواقع التواصل، عرفنا أن الملايين فقدوا وظائفهم، وأن ملايين أصيبوا، وأن مئات الآلاف قد قضوا حتفهم، لقد مكثنا وحدنا بالمنزل، ننظر إلى صور الشوارع الخالية إلا من بعض أشخاص يرتدون الأقنعة، وأصبحت مهمة الذهاب إلى التسوق تجربة حية تخبرنا كيف أصبح الموقف معقدا إلى درجة كبيرة، لقد عرفنا كيف تغير العالم، وكيف تغيرت الحياة. إننا أصبحنا ننشر وباء معلوماتيا، لأن الساحة تعج بأخبار مغلوطة أو زائفة، فضلا عن مستشفيات متنقلة تنشر بروتوكولات علاجية ووقائية، نجم عنها التكالب على شراء الأـدوية، يصدرها نجوم صفحات الإنترنت، ومحبو الشهرة أحيانا، الذين يمنحون أنفسهم ألقابا يصدق عليها جمهور المتابعين، فلديهم علم لا يسعهم كتمانه، وهم يقدمون للبشرية خدمات لم تكن تتوقعها. على الجانب الآخر، نجد آخرين من حسنى النية والبسطاء الذين يخافون كتمان أى معلومة مهما تكن محدودة أو على غير أساس علمي، وغيرها من أشكال الهراء الذى قد يذهب إلى تعريض حياة الناس للخطر.