من أجل حياة أرقى ... ثقافة سكانية
زاد الحديث مؤخرا في مختلف وسائل الاعلام عن موضوع الزيادة السكانية بعد ان ألح الرئيس عبد الفتاح السيسي على طرحها هذه الأيام بشكل مكثف وضرورة إيجاد حلول لها، وقد رحبت بتلميحه ان الدولة لا تريد أن تفرض على المواطنين ما يجب ان يقوموا به، ولكن للأسف لدينا من الناس وتحديدا ممن انتخبهم الشعب لينوبوا عنه في مجلس النواب من يريد أن يزايد على رئيس الجمهورية وتقترح إحدى النائبات مشروع قانون لتنظيم النسل لمولودين فقط والباقي لن تدعمه الدولة وكأننا شعب لا يسير إلا بالعقاب ولو سألتها وكم لديك من الابناء ستفاجأ بأنهم أكثر من طرحها واحتمال ان تكون اختا لخمسة او ستة اشقاء. إن موضوع الزيادة السكانية مرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع التنمية والتقدم فكلما تقدمت الدولة علميا وثقافيا زاد الوعي لدى مواطنيها فينظمون حياتهم لتتوافق مع هذا الرقي فتجد المواطن يبحث عن بيت آمن وتعليما جيدا لاولاده وحياة مستقرة مع اسرته وهذا سيجعله يفكر بجدية قبل الانجاب او زيادة نسله، وخير مثال ما حصل في اماكن كثيرة في صعيدنا فهذا المجتمع الفقير فقر مدقع قد تحسنت الكثير من ظروفه بعد ان عرف ابناؤه طريق السفر إلى الخارج وعادوا وقد رزقهم الله بالمال الذي سوف يحسن من معيشتهم ومعيشة عوائلهم فبنوا المنازل الجميلة وادخلوا لها الماء النظيف والكهرباء وبعد ان ذاقوا جزءاً من رغد العيش في الخارج لم يشاءوا ان يعيدوا معيشة آبائهم من الزيادة السكانية التي تثقل كاهلهم بل تجد الكثير منهم اكتفى باثنين أو ثلاثة على الأكثر وهو قادر على إعاشتهم معيشة جيدة. ولعلي اتذكر - إن لم تخني الذاكرة - منذ نحو ٣٠ سنة وفي عز حملة الحكومة للحد من الزيادة السكانية بكثير من البرامج والإعلانات الشهيرة ك(حسنين ومحمدين زينة الشباب لاتنين) تم استضافة نجم كوميديا شهير وكان هذا في اوج حملات تنظيم الأسرة وسألته المذيعة عن عدد اولاده فأجاب أربعة وكأن المذيعة صعقها تيار كهربائي وسألته بتعجب شديد اربعة فأجاب بهدوء ما معناه طالما ربنا كارمني وموسع علي واربي اولادي خير تربية فلماذا لا انجب، هذا فكر فنان كبير له وجهة نظره وهي طالما لديك الإمكانيات فلا مانع. اعتقد ان مبادرة الرئيس (حياة كريمة) يمكن أن تؤتي ثمارها المرجوة في مسألة تنظيم النسل دون اللجوء للقوانين وخلافه فمع تقديم الدعم والرعاية لكل من تشملهم الحملة وغيرهم من طبقات الشعب المصري لابد من تشكيل لجان الثقافة الانجابية والنزول لهذه الاماكن والجلوس مع هؤلاء البسطاء وإقناعهم بحسن الحياة في ظل عدد قليل افضل كثيرا من الحياة في ظل عدد كبير. إنني اتذكر ان جدي لأمي كان لديه من الاخوة ستة رجال وبنتان وتكونت عائلة كبيرة بفضلهم وانجب جدي لأمي ستة رجال وخمس نساء وسألته مرة عن هذا العدد الكبير فقال يا ولدي الرجال عزوتنا ومعناها انهم يشعرون بالقوة ويتباهون بكثرتهم لأن موضوع الثأر كان مشهورا وقد فقد جدي اثنين من ابنائه في تبادل للثأر، اما احفاد جدي فلأنهم تعلموا وسافروا واطلعوا على الدنيا تجد اغلبهم لديه طفلان وقلة لديه ثلاثة بعد تعليمهم وتثقيفهم وتمتعهم بحياة هادئة مختلفة عن حياة ابائهم. تلك هي المعضلة لا بالاجبار ولا بالقانون ولا بأي سبب من الأسباب ولكن بتقديم العلم والمعرفة الحقيقية ونشر ثقافة النظافة والنظام العام مع تقديم الرعاية الصحية اللازمة والتوعية بالصحة الانجابية كل هذا سيعالج المشكلة من اساسها وليظهر مجتمع متكامل يحب ابناؤه بعضهم بعضا ويحرص كل واحد على عدم الانجاب كثيرا ليخرج ابناؤه مكتملي الصحة والعافية متعلمين مثقفين، اما نغمة التهديد بفرض قانون يلزم بطفل او اثنين فلن تؤتي اكلها مثلما يؤتي تغيير ثقافة المحتمع ذاته وبما يحقق الهدف بالعلم والتربية والتنشئة السليمة .