الجميع يعانى من الغلاء
كل دول العالم تمر بظروف صعبة جدا والشرق الأوسط وخاصة الدول العربية ومنها مصر علي سبيل المثال
تواجه عبر مسيرة تاريخها لحظات حاسمة عندما تحيط بها تحديات جسيمة، يتعين عليها فيها أن تعيد النظر فى مؤسساتها وسياساتها لكى تحدد دور هذه المؤسسات والسياسات فى توليد هذه التحديات، ويدور السؤال حول ما يمكن عمله للمواجهة الناجحة لهذه التحديات. وليس هناك ما يضمن أن تكون نتيجة التساؤل هى الوصول إلى الإجابة الصحيحة، فقد تدفع المكابرة صناع القرار فيها إلى الجزم بأن تلك التحديات ما هى إلا عوارض طارئة، وأنه ليس ثمة خلل لا فى المؤسسات ولا فى السياسات، فيكفى الصمود مؤقتا حتى تمر العاصفة، وتستمر الأمور على ما كانت عليه، أو يركنون إلى الاعتقاد بأن أسوأ النتائج لم تظهر بعد، ويتركون عبء التعامل معها عندما تتفاقم لأجيال قادمة من الحاكمين والمحكومين. ولكن الشعوب الرشيدة هى التى تدرك أن الحاضر هو فى جانب كبير منه وليد الماضى القريب، وأنه إذا كانت المؤسسات والسياسات التى اقترنت بظهور التحديات مسئولة ولو جزئيا، عن النتائج السلبية التى تعانيها، فلا يمكن أن يكون المخرج الصحيح هو استمرار نفس هذه المؤسسات والسياسات.
مصر تواجه فى اللحظة الراهنة فى صي2023 موقفا مماثلا، فلا يملك مراقب منصف لأوضاعنا الراهنة إلا أن يقر بخطورة التحديات التى تواجهها مصر شعبا ودولة على أصعدة الاقتصاد والسياسة والعلاقات الخارجية، من مديونية داخلية وخارجية مرتفعة، ومن ضيق فى المجال العام ومركزية هائلة فى صنع القرار، ومن حيرة فى اكتشاف الطريق للتعامل مع الأخطار التى تهدد الأمن القومى، ومع ذلك تغيب هذه التحديات عن النقاش العام الذى يستحى أن يكشف عن أعراضها، أو أن يذهب إلى جذورها. وسوف يستعرض هذا المقال بعض جوانب هذه التحديات على أن يكون ذلك فاتحة لنقاش عام أوسع حولها.
من الاقتصاد الريعى إلى اقتصاد متنوع
أهم هذه التحديات هو بلا شك التحدى الذى يواجهنا فى المجال الاقتصادى، وأعراضه معروفة من مديونية داخلية تتمثل فى عجز الميزانية وفقا للأرقام الرسمية، ومن مديونية خارجية لا تتوقف عن التصاعد وقد بلغت حدودا غير مألوفة لم يعرفها تاريخ الدولة المستقلة فى مصر. خطورة هذا التحدى أن أسلوب الحكومة فى مواجهته هو المزيد من الاستدانة لتمويل العجز فى بعديه وليس للخروج من فخ الدين. نتائجه فادحة على صعيد قدرة الحكومة على النهوض بالأوضاع الهشة للغالبية الساحقة من المواطنين الذين يعانى قسم كبير منهم من الفقر ويعانون جميعا من تدهور أوضاع التعليم والوصول إلى الخدمات الصحية وارتفاع نفقات الخدمات العامة الأخرى، كما أن مخاطره كامنة فى انصراف المواطنين عن المشاركة، وهو البيئة الخصبة التى تغذيها هذه الأوضاع للقوى السياسية الرافضة لكل أوضاعنا الراهنة، مما يفتح الباب أمام عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى، وهو الأمر الذى نجد مثيلا له فيما يجرى فى دول مجاورة لنا وأخرى بعيدة عنا، منها سريلانكا والأرجنتين.
سوف يكون من الخطأ البالغ فصل هذه الأوضاع عن نمط السياسات الاقتصادية خلال السنوات القريبة الماضية. لا يمكن أن ينكر أحد أن تقدما ملموسا جرى فى توفير بنية أساسية مناسبة فى مجال الكهرباء والماء والطرق وخصوصا فى العاصمة وفيما بين المحافظات. ولكن لم يقتصر الإنفاق العام على هذه المشروعات الحيوية للاقتصاد، ومن ناحية أخرى فإن كل هذا الإنفاق العام الذى يتفاخر المسئولون بأحجامه لم يسفر عن تغيير الطبيعة الريعية المتزايدة للاقتصاد المصرى، فمساهمة الصناعة التحويلية فى الناتج المحلى الإجمالى لا تتجاوز 11%، والهدف الطموح لوزارة الصناعة هو الارتفاع بها إلى نسبة 15% بحسب تصريحاتها المنشورة، وصادراتنا السلعية لا تصل إلى 40% من حجم وارداتنا، والمصادر الأساسية للعملة الصعبة هى تحويلات العاملين بالخارج، وتليها من بعيد إيرادات قناة السويس التى تصل بالكاد إلى ربع هذه التحويلات، ثم السياحة ومساهمة متواضعة من جانب صادرات النفط والغاز الطبيعى. نحن مازلنا رغم كل هذا الإنفاق العام فى رحمة الطبيعة والأوضاع الدولية والإقليمية بما فيها الأوضاع الصحية، ومشروعات الطرق لدينا فى الدلتا خصوصا تساهم فى تآكل المساحات الخضراء الباقية للزراعة التى تمر عليها.
استمرار نمط الإنفاق العام الذى جرى خلال السنوات القليلة الماضية لا يمكن أن يؤدى إلى نتيجة مختلفة عما نعانيه بالفعل. وليس من الصحيح ونحن نبحث عن نمط بديل للنمو أن نصدق أنه لا يوجد فى مصر سوى رمال وصخور. مصر غنية بالموارد الطبيعية من زراعية ومعدنية وسياحية فيما لو أحسن استغلالها بالطرق العلمية وبالسياسات الصحيحة. وعلينا ألا ننسى أن بعض الدول التى حققت إنجازات مبهرة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتى أصبحت أعضاء فى نوادى الدول المتقدمة تفتقر إلى الموارد الطبيعية، وأقصد تحديدا ثلاثة من نمور آسيا الأوائل وهم كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان. وكان طريق هذه الدول للقفز فى مسار التنمية هو الاهتمام بالبشر من خلال رفع مستوى التعليم لكافة المواطنين، ولذلك أصبحت مدارسها نموذجا فى إجادة النشء للرياضيات والفيزياء واللغات، وهى
نحن محتاجون إلى استراتيجية فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية عمادها الاهتمام بالبشر وغايتها اقتصاد متنوع قطاعاته الأساسية هى الصناعة والزراعة والخدمات الإنتاجية، وهو فقط الذى يمكن أن يوفر العمالة اللائقة لمن هم فى سن العمل والدخل الكريم لكل العاملين، وهو الذى يولد الموارد التى تغنينا عن ودائع الأصدقاء.اتمني أن يوفق الجميع بقيادة رئيس الجمهورية لما فيه خير البلاد ويعم الخير بإذن المولى والقادم افضل بعدان شفنا حصاد القمح ألذي يبشر بكل خير صحيح أن الجميع يعاني من الغلاء وليس الفقراء فقط
بقلم شيماء عبد الستار